كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقول ابن القاسم (لأنهم يعبثون) يعني برفع ذلك البنيان الذي يصلي عليه الإمام، كما قال تعالى عن نبيه هود مخاطبًا لقومه عاد: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 128-129] وإذا ارتفعت مع الإمام طائفة من المصلين سائر الناس، أعني ليست من أشراف الناس وأعيانهم، ففي نفي الكراهة بذلك خلاف عندهم وإليه أشار خليل في مختصره بقوله: وهل يجوز إن كان مع الإمام طائفة كغيرهم تردد. هذا هو حاصل مذب مالك في هذه المسألة.
وأما مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: فهو أن ارتفاع كل من الإمام والمأموم على الآخر مكروه. وقال الطحاوي: لا يكره علو المأموم على الإمام. ومحل الكراهة عند الحنفية في الارتفاع في اليسير، ولا كراهة عندهم في اليسير: وقدر الارتفاع الموجب للكراهة عندهم قدر قامة، ولا بأس بما دونها، ذكره الطحاوي، وهو مروي عن أبي يوسف: وقيل هو مقدر بقدر ما يقع عليه الامتياز. وقيل: مقدر بقدر ذراع اعتبارًا بالسترة. قال صاحب (تبيت الحقائق). وعليه الاعتماد. وإن كان مع الإمام جماعة في مكانه المرتفع، وبقية المأمومين أسفل منهم فلا يكره ذلك على الصحيح عندهم- اتهى بمعناه (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق).
وأما مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة- فوه التفصيل بين علو الإمام على المأموم، فيكره على المشهور من مذهب أحمد. وبين علو المأموم الإمام فيجوز. قال ابن قدامة في المغني: المشهور في المذهب اه يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين، سواء أراد تعليمهم الصلاة، أو لم يرد. وهو قول ماكل والأوزاعي واصحاب الري. وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره- اهـ. محل الغرض منه. وقال في المغني ايضًا: فإن صلى الإمام في مكان أعلى من المأمومين فقال ابن حامد: لا تصح صلاتهم. وهو قول الأوزاعي، لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه. وقال القاضي: لا تبطل، وهو قول أصحاب الرأي- اه محل الغرض منه.
فإذا عرفت مذاهب الآئمة الأربعة في هذه المسألة- فاعلم أن حجة من كره علو الإمام على المأموم أو منعه- هي ما قدمنا في قصة جبذ أبي مسعود لحذيفة لما أم الناس، وقام يصلي على دكان. الحديث المتقدم. وقد بينا اقوال أهل العلم في الحديث المذكور. وحجة من أجاز ذلك للتعليم حديث سهل بن سعد المتفق عليه في قصة صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وجواب المخالفين عن صلاته على المنبر. أنه ارتفاع يسير، وذلك لا باس به، أو بأنه منسوخ كما تقدم في كلام القرطبي: وحجة من أجاز علو المأموم علىلإمام ما روي عن أبي هريرة: أنه صلى بصلاة الإمام وهو على سطح المسجد.
قال ابن حجر (في التلخيص): رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد قال حدثني صالح مولي التوأمة أنه رأى أبا هريرة يصلي فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام في المسجد. ورواه البيهقي من حديث القعنبي عن ابن أبي ذئب عن صالح، ورواه سعبد بن منصورن وذكره البخاري تعليقًا- انتهى محل الغرض من كلامه. فقد رأيتمذاهب العلماء في المسألة وأدلتهم.
قال مقيده عفا الله عنه: والذي يظهر- والله تعالى أعلم- وجوب الجمع بين الأدلة المذكورة، وأن علو الإمام مكروه لما تقدم. ويجمع بينه وبين قصة الصلاة على المنبر بجوازه للتعليم دون غيره. ويدل لهذا إخباره صلى الله عليه وسلم أنه ارتفع على المنبر ليعلّمهم الصلاو لانه إذا ارتفع رأوه وإذا نزل لم يره إلا من يليه، وجمع بعضهم بأن ارتفاعه على المنبر ارتفاع يسير وهو مغتفر. أما علو المأموم فقد تعارض فيه القياس مع فعل أبي هريرة. لأن القياس يقتضي كراهة ارتفاع المأموم قياسًا على ارتفاع الإمام وهو قياس جلي، وإذا تعارض القياس مع قول الصحابي فمن الأصوليين من يقول بتقديم القياسن وهو مذهب مالك وجماعةن ومنهم من يقول بتقديم قول الصحابي. ولا شك أن الأحوط تجنب علو كل واحد من الإمام والمأمومو على الآخر. والعلم عند الله تعالى. و{أن} في قوله: {فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} هي المفسرة. والمعنى أن ما بعدها يفسر الإيحاء المذكور قبلها. فهذا الذي أشار لهم به هو الأمر بالتسبيح بكرة وعشيًا، وهذا هو الصواب. ويحتمل أن تكون مصدرية بناء على أن {أن} المصدرية تأتي مع الأفعال الطلبية. وعليه فالمعنى: أوحى إليهم أي أشار إليهم بأن سبحوا، أي بالتسبيح أو كتب لهم ذلك بناء على القول بأن المراد به الكتابة، وكونها مفسرة هو الصواب. والعلم عند الله تعالى.
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)}.
اعلم أولًا- أنا قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكرشيء مع بعض صفاته وله صفات أخر مذكورة في وضع آخر، فإنا نبينها. وقد مر فيه أمثلة كثيرة من ذلك، وأكثرها في الموصوفات من أسماء الأجناس لا الأعلام، وربما ذكرنا ذلك في صفات الأعلام كما هنا- فإذا علمت ذلك- فاعلم أنه تعلى ذكر في هذه الآية الكريمة بعض صفات يحيى، وقد ذكر شيئًا ن صفاته أيضًا في غير هذا الموضع. وسنبين إن شار الله المراد بالمذكور منها هنا، والمذكور في غير هذا الموضع.
اعلم أنه هنا وصفه بأنه قال له {يايحيى خُذِ الكتاب بِقُوَّةٍ} ووصفه بقوله: {وَآتَيْنَاهُ الحكم} إلى قوله: {وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا}. فقوله: {يايحيى خُذِ الكتاب} مقول قول محذوف. أي وقلنا له يا يحيى خذ الكتاب بقوة. والكتاب: التوراة. أي خذ التوراة بقوة. أي بجد واجتهاد، وذلك بتفهم المعنى أولًا حتى يفهمه على الوجه الصحيح، ثم يعمل به من جميع الجهات، فيعتقد عقائده، ويحل حلاله، ويحرم حرامه، ويتأدب بآدابه، ويتعظ بمواعظه، إلى غير ذلك من جهات العمل به. وعامة المفسرين على أن المراد بالكتاب هنا: التوراة. وحكى غير واحد عليه الإجماع. وقيل: هو كتاب أنزل على يحيىن وقيل: هو اسم جنس يشمل الكتب المتقدمه. وقيل: هو صحف إبراهيم. والأظهر قول الجمهور: إنه التوراة كما قدمنا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَآتَيْنَاهُ الحكم} أي أعطيناه الحكم، وللعلماء في المراد بالحكم أقوال متقاربة، مرجعها إلى شي واحد، وهو أن الله أعطاه الفهم في الكتاب. أي إدراك ما فيه والعمل به في كال كونه صبيًا. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا} اي الفهم والعلم والجد والعزم، والاقبال على الخير والإكباب عليه، والاجتهاد فيه- وهو صغير حدث. قال عبد الله بن المبارك قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا! فلهذا أنزل الله {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا}. وقال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا} يقول تعالى ذكره: المبارك قال: أخبرني معمو ولم يذكره عن أحد في هذه الآية {وآتيناه الحكم صبيًا} قال بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى: اذهب بنا نلعب. فقال: ما للعب خلقنا، فأنزل الله {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا} وقال الزمخشري في الكشاف {وَآتَيْنَاهُ الحكم} أي الحكمة، ومنه قول نابغة ذبيان:
واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت ** إلى حمام سراع وارد الثمد

وقال أبو حيان في تفسير هذه الآية: والحكم النبوة، أو حكم الكتاب، أو الحكمة، أو العلم بالأحكام. أو اللب وهو العقل، أو آداب الخدمة، أو الفراسة الصادقة. أقوال:
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي- هو أن الحكم يعلم النافع والعلم به، وذلك بفهم الكتاب السماوي فهمًا صحيحًا، والعمل به حقًا، فإن هذا يشمل جميع أقوال العلماء في الآية الكريمة. وأصل معنى (الحكن) المنع، والعلم النافع. والعلم به يمنع الأقوال والأفعال من الخلل والفساد والنقصان.
وقوله تعالى: {صبيًا} أي لم يبلغ، وهو الظاهر. وقيل: صبيًا أي شابًا لم يبلغ سن الكهولة- ذكره أبو حيان وغيره، والظاهر الأول. قيل ابن ثلاث سنين، وقيل ابن سبع، وقيل ابن سنتين. والله أعلم.
وقوله في هذه الآية الكريمة {وحنانًا} معطوف على {الحكم} أي وآتيناه حنانًا من لدنا. والحنان: هوما جبل عليه من الرحمة، والعطف والشفقة. وإطلاق الحنان على الرحمة والعطف مشهور في كلام العرب، ومنه قولهم: حنانك وحنانيك يا رب، بمعنى رحمتك. ومن هذا المعنى قول امرئ القيس:
أبنت الحارث الملك بن عمرو ** له ملك العراق إلى عمان

ويمنحها نبو شمجي لن جرم ** معيزهم حنانك ذا الحنان

يعني رحمتك يا رحمن. وقول طرفة بن العبد:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ** حنانيك بعض الشر أهون من بعض

وقول منذر بن درهم الكلبي:
وأحدث عهد من أمينة نظرة ** على جانب العلياء إذ أنا واقف

فقالت حنان ما أتى بك هاهنا ** أذو نسب أم أنت بالحي عارف

فقوله: (حنان) أي أمري حنان. أي رحمة لك، وعطف وشفقه عليك وقول الحطيئة أو غيره:
تحن على هداك المليك ** فإن لكل مقام مقالا

وقوله تعالى: {من لدنا} أي من عندنا، وأصح التفسيرات في قوله: {وزكاةً} أنه معطوف على ما قبله اي أو أعطيناه زكاة، أي طهارة من أدران الذنوب والمعاصي بالطاعة، والتقرب إلى الله بما يرضيه: وقد قدمنا في سورة (الكهف) الآيات الدالة على إطلاق الزكاة في القرآن بمعنى الطهارة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية {وزكاةً} الزماة: التطهير والبركة والتنمية في وجوه الخير. أي جعلناه مباركًا للناس يهديهم. وقيل المعنى: زكيناه بحسن الثناء عليه كما يزكي الشهود إنسانًا. وقيل {زكاةً} صدقة على أبويه. قاله ابن قتيبة- انتهى كلام القرطبي. وهو خلاف التحقيق في معنى الآية. والتحقيق فيه إن شاء الله هو ما ذكرنا، من أن المعنى: وأعطيناه زكاة اي طهارة من الذنوب والمعاصي بتوفيقنا غياه للعمل بما يرضي الله تعالى. وقول من قال من العلماء: بأن المراد بالزكاة في الآية العمل الصالح، راجع إلى ما ذكرنا لأن العمل الصالح هو الذي به الطهارة من الذنوب والمعاصي.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمةك {وكان تقيًا} اي ممتثلًا لأوامر ربه مجتنبًا كل ما نهى عنه. ولذا لم يعمل خطيئة قط، ولم يلم بها، قاله القرطبي وغيره عن قتادة وغيره. وفي نحو ذلك أحاديث مرفوعة، والظاهر أنه لم يثبت شيء من ذلك مرفوعًا، إما بانقطاع، وإما بعنعنة مدلس: وإما بضعف راو، كما أشار له ابن كثير وغيره. وقد قدمنا معنى {التقوى} مرارًا وأصل مادتها في اللغة العربية.
وقوله تعالى: {وبرًا بوالديه} البر بالفتح هو فاعل البر- بالكسر- كثيرًا أي وجعلناه كثير البر بوالديه، أي محسنًا إليهما، لطيفًا بهما، لين الجانب لهما. وقوله: {وبرًا} معطوف على قوله: {تقيًا}، وقوله: {ولم يكن جبارًا عصيًا} أي لم يكن مستكبرًا عن طاعة ربه وطاعة والديه، ولكنه كان مطيعًا لله، متواضعًا لوالديه، قاله ابن جرير. والجبار: هو كثير الجبر، أي القهر للناس، والظلم لهم. وكل متكبر على الناس يظلمهم: فهو جبار. وقد أطلق في القرآن على شديد البطش في قوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130] وعلى من يتكرر منه القتل في قوله: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بالأمس إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا} [القصص: 19] الآية. والظاهر أن قوله: {عصيًا} فعول قلبت فيه الواو ياء وأدغمت في الياء على القاعدة التصريفية المشهورة: التي عقدها ابن مالك في الخلاصة بقوله:
إن يسكن السابق من واو ويا ** واتصلا ومن عروض عريا

فياء الواو اقبلن مدغمًا ** وشذ معطى غير ما قد رسما

فأصل {عصيًا} على هذا (عصويًا) كصبور، أي كثير العصيان. ويحتمل أن يكون أصله فعيلًا وهي م صيغ المبالغة أيضًا، قاله أبو حيان في البحر.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} قال ابن جريرك وسلام عليه أي أمان له. وقال ابن عطية: والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة، فهي أشرف من الأمان، لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه وهو أقل درجاته، وإنما الشرف في أن سلم الله عليه وحياه في المواطن التي الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة، وقلة الحيلة والفقر إلى الله تعالى عظيم الحول- انتهى كلام ابن عطية بواسطة نقل القرطبي في تفسير هذه الآية، ومرجع القولين إلى شيء واحد، لأن معنى سلام، التحية، الأمان، والسلامة مما يكره. وقول من قال: هو الأمان. يعني أن ذلك الأمان من الله. والتحية من الله معناها الأمان والسلامة مما يكره. والظاهر المتبادر أن قوله: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} تحية من الله ليحيى ومعناها الأمان والسلامة وقوله: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ} مبتدأ، وسوغ الابتداء به وهو نكرة أنه في معنى الدعاء، وإنما خص هذه الأوقات الثلاثة بالسلام التي هي وقت ولادته، ووقت موته، ووقت بعثه، في قوله: {يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} الآية، لأنها أوحش من غيرها.
قال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطنك يوم يولد فيرى نفسه خارجًا مما كان فيه ويوم يموت فيرى قومًا لم يكن عاينهمز ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه فيها. رواه عنه ابن جرير وغيره. وذكر ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية بإسناده عن الحسن حمه الله فالك إن عيسى ويحيى التقيا فقال له عيسى: استغفر لي، أنت خير مني. فقال الآخر: استغفر لي، أنت خير مني. فقال عيسى: أنتخير مني، سلمت على نفسي وسلم الله عليك. وقد نقل القرطبي هذا الكلام الذي رواه ابن جرير عن الحسن البصري رحمه الله تعالى. ثم قال: انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم- فضل عيسى بأه قال إدلالة في التسليم على نفسه ومكانته من الله تعالى التي اقتضت ذلك حين قرر وحكي في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه، قال ابن عطية: ولك وجه. انتهى كلام القرطبي. والظاهر أن سلام الله علة يحيى في قوله: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} الآية أعظم من سلام عيسى على نفسه في قوله: {والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] كما هو ظاهر.
تنبيه:
الفتحة في قوله: {يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} يحتمل أن تكون ي الظروف الثلاثة فتحة إعراب نصبًا على الظرفيةز ويحتمل أن تكون فتحة بناء لجواز البناء في نحو ذلك، والأجود أن تكون فتحة {يوم ولد} فتحة بناء، وفتحة {وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ} فتحة نصب، لأن بناء ما قبل الفعل الماضي أجود من إعرابه وإعراب ما قبل المضارع، والجملة الاسمية أجود عن بنائه، كما عقده في الخلاصة بقوله:
وابن أو أعرب ما كإذ قد أجريا ** واختر بنا متلو فعل بنيا

وقبل فعل معرب أو مبتدأ ** أرعب ومن بنى فلن يفندا

والأحوال في مثل هذا أربعة: الأول أن يضاف الظرف المذكور إلى جملة فعلية فعلها مبني بناء أصليًا وهو الماضي، كقول نابغة ذبيان:
على حين عاتبت المشيب على الصبا ** فقلت ألما أصح والشيب وازع

فبناء الظرف في مثل ذلك أجود، وإعرابه جائز.
الثاني- أن يضاف الظرف المذكور إلى جملة فعلية فعلها مبني بناء عاوضًان كالمضارع المبني لاتصاله بنون النسوة. كقول الآخر:
لأجتذبن منهن قلبي تحلما ** على حين يستصبين كل حليم

وحكم هذا كما قبله.
الثالث- أن يضاف إلى جملة فعلية فعلها معرب. قول أبي صخر الهذلي:
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني ** نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر

فإعراب مثل هذا أجود، وبناؤه جائز.
الرابع- أن يضا الظرف المذكور إلى جملة اسمية. كقول الشاعر:
ألم تعلمي يا عمرك الله أنني ** كريم على حين الكرام قليل

وقول الآخر:
تذكر ما تذكر من سليمي ** على حين التواصل غير دان

وحكم هذا كما قبله. واعلم أن هذه الأوجه إنما هي في الظرف المبهم الماضي. وأما إن كان الظرف المبهم مستقبل المعنى، كقوله: {وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ} فإنه لا يضاف إلا لى الجمل الفعلية دون الاسمية. فتكون فيه الأوجه الثلاثة المذكورة دون الرابع. وأجاز ابن مالك إضافته إلى الجملة الاسمية بقلة، كقوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] وقول سواد بن قارب:
وكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة ** بمغن فتيلًا عن سواد بن قارب

لأن الظرف في الآية والبيت المذكورين مستقبل لا ماض. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} قال أبو حيان: فيه تنبيه على كونه من الشهداءن لقوله تعالى فيهم: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].